فصل: فصل وأما من زعم أن الملائكة والأنبياء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: جامع الرسائل **


  فصل وأما من زعم أن الملائكة والأنبياء

وأما من زعم أن الملائكة والأنبياء تحضر سماع المكاء والتصدية محبة له ورغبة فيه فهو كاذب مفتر بل إنما تحضره الشياطين وهي تنزل عليهم وتنفخ فيهم كما روى الطبراني وغيره عن ابن عباس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إن الشيطان قال‏:‏ يا رب اجعل لي بيتاً قال‏:‏ بيتك الحمام قال‏:‏ اجعل لي قرآناً قال‏:‏ قرآنك الشعر قال‏:‏ اجعل لي مؤذناً قال‏:‏ مؤذنك المزمار ‏"‏ وقد قال تعالى في كتابه مخاطباً للشيطان‏:‏ ‏"‏ واستفزز من استطعت منهم بصوتك ‏"‏ وقد فسر ذلك طائفة من السلف بصوت الغناء وهو شامل له ولغيره من الأصوات المستفزة لأصحابها عن سبيل الله‏.‏

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت لهو ولعب ومزامير الشيطان وصوت لطم خدود وشق جيوب ودعاء بدعوى الجاهلية ذات المكاء والتصدية ‏"‏‏.‏

وكيف يذر الشيطان عليهم حتى يتواجدوا الوجد الشيطاني حتى إن بعضهم صار يرقص فوق رؤوس الحاضرين‏.‏

ورأى بعض المشايخ المكاشفين أن شيطانه قد حمله حتى رقص به فلما صرخ قال‏:‏ هرب شيطانه وسقط ذلك الرجل‏.‏

وهذه الأمور لها أسرار وحقائق لا يشهدها إلا أهل البصائر الإيمانية والمشاهد الإيقانية ولكن من اتبع ما جاءت به الشريعة وأعرض عن السبل المبتدعة فقد حصل له الهدى وخير الدنيا والآخرة وإن لم يعرف حقائق الأمور بمنزلة من سلك السبيل إلى مكة خلف الدليل الهادي فإنه يصل إلى مقصوده ويجد الزاد والماء في مواطنه وإن لم يعرف كيف يحصل ذلك وسببه ومن سلك خلف غير الدليل الهادي كان ضالاً عن الطريق فإما أن يهلك وإما أن يشقى مدة ثم يعود إلى الطريق والدليل الهادي هو الرسول الذي بعثه الله إلى الناس بشيراً نذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وهادياً إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ملك السموات والأرض وآثار الشيطان تظهر على أهل السماع الجاهلي مثل الإزباد والإرعاد والصرخات المنكرة ونحو ذلك ما يجدون في نفوسهم من ثوران مراد الشيطان بحسب الصوت إما وجد في الهوى مذموم وإما غضب وعدوان على من هو مظلوم وإما لطم وشق ثياب وصياح كصياح المخزون المحروم إلى غير ذلك من الآثار الشيطانية التي تعتري أهل الاجتماع على شرب الخمر إذا سكروا بها فإن السكر بالأصوات المطربة قد تصير من جنس الإسكار بالأشربة المطربة فتصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة وتمنع قلوبهم حلاوة القرآن وفهم معانيه وإتباعه فيصيرون مضارعين للذين يشترون لهو الحديث ليضلوا عن سبيل الله ويوقع بينهم العداوة والبغضاء حتى بقتل بعضهم بعضاً بأحواله الفاسدة الشيطانية كما يقتل العائن من أصابه بعينه ولهذا قال من قال من العلماء‏:‏ إن هؤلاء يجب عليهم القود أو الدية إذا عرف أنهم قتلوا بالأحوال الشيطانية الفاسدة لأنهم ظالمون وهم إنما يغتبطون بما ينفذونه من موادهم المحرمة كما يغتبط الظلمة المسلطون ومن هذا الجنس حال خفراء الكافرين والمبتدعين والظالمين فإنهم قد يكون لهم زهد وعبادة وهمة كما يكون للمشركين وأهل الكتاب وكما كان للخوارج المارقين الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموها فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم يوم القيامة ‏"‏ وقد يكون لهم مع ذلك أحوال باطنة كما يكون لهم ملكة ظاهرة فإن سلطان الباطن معناه السلطان الظاهر ولا يكون من أولياء الله إلا من كان من الذين آمنوا وكانوا يتقون وما فعلوه من الإعانة على الظلم فهم يستحقون العقاب عليه بقدر الذنب وباب القدرة والتمكن باطناً والتمكن وظاهراً ليس مستلزماً لولاية الله تعالى بل قد يكون ولي الله متمكناً ذا سلطان وقد يكون مستضعفاً إلى أن ينصره الله وقد يكون عدو الله مستضعفاً وقد يكون سلطاناً إلى أن ينتقم الله منه فخفراء التتار في الباطن من جنس التتار في الظاهر هؤلاء في العباد بمنزلة هؤلاء في الأجناد‏.‏

وأما الغلبة فإن الله قد يديل الكافرين على المؤمنين تارة كما يديل المؤمنين على الكافرين كما كان يكون لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع عدوهم لكن العاقبة للمتقين فإن الله يقول‏:‏ ‏"‏ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ‏"‏ وإذا كان في المسلمين ضعف وكان العدو مستظهراً عليهم كان ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم إما لتفريطهم في أداء الواجبات باطناً وظاهراً وإما بعدوانهم بتعدي الحدود باطناً وظاهراً وقال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ‏"‏ وقال تعالى‏:‏ ‏"‏ أو لما أصابتكم قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ‏"‏ وقد قال تعالى‏:‏ ‏"‏ ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ‏"‏‏.‏

  فصل وأما هذه المشاهد المشهورة

وأما هذه المشاهد المشهورة فمنها ما هو كذب قطعاً مثل المشهد الذي بظاهر دمشق المضاف إلى أبي بن كعب والمشهد الذي في ظاهرها المضاف إلى أويس القرني والمشهد الذي في سفح لبنان المضاف إلى نوح عليه السلام والمشهد الذي بمصر المضاف إلى الحسين - إلى غير ذلك من المشاهد التي يطول شرحها بالشام والعراق ومصر وسائر الأمصار حتى قال طائفة من العلماء منهم عبد العزيز الكناني‏:‏ كل هذه القبور المضافة إلى الأنبياء لا يصح فيها إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثبت غيره قبر الخليل عليه السلام أيضاً وأما مشهد علي فعامة العلماء على أنه ليس قبره بل قد قيل إنه قبر المغيرة بن شعبة وذلك أنه إنما ظهر بعد نحو ثلثمائة سنة من موت علي في إمارة بني بويه وذكروا أن أصل ذلك حكاية بلغتهم عن الرشيد أنه أتى إلى ذلك المكان وجعل يعتذر إلى من فيه مما جرى بينه وبين ذرية علي وبمثل هذه الحكاية لا يقوم شيء فالرشيد أيضاً لا علم له بذلك ولعل هذه الحكاية إن صحت عنه فقد قيل له ذلك كما قيل لغيره وجمهور أهل المعرفة يقولون أن علياً إنما دفن في قصر الإمارة أو قريباً منه وهذا هو السنة فإن حمل ميت من الكوفة إلى مكان بعيد ليس فيه فضيلة أمر غير مشروع فلا يظن بآل علي رضي الله عنهم أنهم فعلوا به ذلك ولا يظن أيضاً أن ذلك خفي على أهل بيته والمسلمين ثلاثمائة سنة حتى أظهره قوم من الأعاجم الجهال ذوي الأهواء وكذلك قبر معاوية الذي بظاهر دمشق قد قيل إنه ليس قبر معاوية وإن قبره بحائط مسجد دمشق الذي يقال إنه قبر هود وأصل ذلك أن عامة هذه القبور مضطرب مختلف لا يكاد يوقف منه على علم إلا في قليل منها بعد بحث شديد وهذا لأن معرفتها وبناء المساجد عليها ليس من شريعة الإسلام ولا ذلك من حكم الذكر الذي تكفل الله بحفظه حيث قال‏:‏ ‏"‏ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ‏"‏ بل قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عما يفعله المبتدعون عندها مثل قوله الذي رواه مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله قال‏:‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول‏:‏ ‏"‏ إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ‏"‏ وقد اتفق أئمة الإسلام على أنه لا يشرع بناء هذه المشاهد التي على القبور ولا يشرع اتخاذها مساجد ولا تشرع الصلاة عندها ولا يشرع قصدها لأجل التعبد عندها بصلاة واعتكاف أو استغاثة وابتهال ونحو ذلك وكرهوا الصلاة عندها ثم كثير منهم قال‏:‏ الصلاة باطلة لأجل النهي عنها وإنما السنة إذا زار قبر مسلم ميت إما نبي أو رجل صالح أو غيرهما أن يسلم عليه ويدعو له بمنزلة الصلاة على جنازته كما جمع الله بين هذين حيث يقول في المنافقين‏:‏ ‏"‏ ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره ‏"‏ فكان دليل الخطاب أن المؤمنين يصلى عليهم ويقام على قبورهم وفي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دفن الميت من أصحابه يقوم على قبره ثم يقول‏:‏ ‏"‏ سلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ‏"‏‏.‏

وفي الصحيح أنه كان يعلم أصحابه أن يقولوا إذا زاروا القبور‏:‏ ‏"‏ السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ويرحم الله المستقدمين منا ومنك والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا ترحمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم ‏"‏‏.‏

وإنما دين الله تعالى تعظيم بيوت الله وحده لا شريك له وهي المساجد التي تشرع فيها الصلوات جماعة وغير جماعة والاعتكاف وسائر العبادات البدنية والقلبية من القراءة والذكر والدعاء والذكر والدعاء لله قال تعالى‏:‏ ‏"‏ وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً ‏"‏ وقال تعالى‏:‏ ‏"‏ قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين ‏"‏ وقال تعالى‏:‏ ‏"‏ يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ‏"‏ وقال تعالى‏:‏ ‏"‏ إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ‏"‏ وقال تعالى‏:‏ ‏"‏ في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب ‏"‏ فهذا دين المسلمين الذين يعبدون الله مخلصين له الدين‏.‏

وأما اتخاذ القبور أوثاناً فهو من دين المشركين الذي نهى عنه سيد المرسلين والله تعالى يصلح حال جميع المسلمين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً طيباً مباركاً كما هو أهله‏.‏

تمت الرسالة‏.‏

إبطال وحدة الوجود والرد على القائلين بها لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية رضي الله عنه‏:‏

  سئل شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية رضي الله تعالى عنه

عن كراس وجد بخط بعض الثقات قد ذكر فيها كلام جماعة من الناس فمما فيه‏.‏

قال بعض السلف‏:‏ إن الله تعالى لطف ذاته فسماها حقاً وكثفها فسماها خلقاً قال الشيخ نجم الدين بن إسرائيل‏:‏ إن الله ظهر في الأشياء حقيقة واحتجب بها مجازاً فمن كان من أهل الحق والجمع شهدها مظاهر ومجالي ومن كان من أهل المجاز والفرق شهدها ستوراً وحجباً‏.‏

قال‏:‏ وقال في قصيدة له‏:‏ لقد حق لي رفض الوجود وأهله وقد علقت كفاي جمعاً بموجدي ثم بعد مدة غير البيت بقوله لقد حق لي عشق الوجود وأهله فسألته عن ذلك فقال‏:‏ مقام البداية أن يرى الأكوان حجباً فيرفضها ثم يراها مظاهر ومجالي فيحق له العشق لها كما قال بعضهم‏:‏ أقبل أرضاً سار فيها جمالها فكيف بدار دار فيها جمالها قال‏:‏ وقال ابن عربي عقيب إنشاد بيتي أبى نواس‏:‏ رق الزجاج وراقت الخمر فتشاكلا فتشابه الأمر فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر وقال بعض السلف‏:‏ عين ما ترى ذات لا ترى وذات لا ترى عين لا ترى الله فقط والكثرة وهم‏.‏

قال الشيخ قطب الدين ابن سبعين‏:‏ رب مالك وعبد هالك وأنتم ذلك الله فقط والكثرة وهم‏:‏ للشيخ محي الدين ابن عربي‏:‏ يا صورة انس سرها معنائي ما خلقت للأمر ترى لولائي شئناك فأنشأناك خلقاً بشراً تشهدنا في أكمل الأشياء وطلب بعض أولاد المشايخ للحر ما يرى من والده الحج فقال له الشيخ‏:‏ طف يا بني ببيت ما فارقه الله طرفة عين‏.‏

وقال‏:‏ قيل عن رابعة إنها حجت فقالت هذا الصنم المعبود في الأرض وإنه ما ولجه الله ولا خلا منه‏.‏

وفيه للحلاج‏:‏ سبحان من أظهر ناسوته سر سناء لاهوته الثاقب ثم بدا مستتراً ظاهراً في صورة الأكل والشارب قال‏:‏ وله وله أيضاً‏:‏ بيني وبينك إني تزاحمني فارفع بحقك إنيي من البين قال‏:‏ وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي الحلبي المقتول‏:‏ بهذه البقية التي طلب الحلاج رفعها تصرف الأغيار في دمه وكذلك قال السلف‏:‏ الحلاج نصف رجل وذلك أنه لم ترفع له الإنية بالمعنى فرفعت له صورة قالوا لمحيي الدين بن العربي‏:‏ والله ما هي إلا حيرة ظهرت وبي حلفت وإن المقسم الله وقال فيه‏:‏ المنقول عن عيسى عليه السلام أنه قال‏:‏ إن الله تبارك وتعالى اشتاق أن يرى ذاته المقدسة فخلق من نوره آدم عليه السلام وجعله كالمرآة ينظر إلى ذاته المقدسة فيها وإني أنا ذلك النور وآدم المرآة‏.‏

قال ابن الفارض في قصيدته نظم السلوك‏:‏ وشاهد إذا استجليت نفسك من ترى بغير مراء في المرآة الصقيلة أغيرك فيها لاح أم أنت ناظر إليك بها عند انعكاس الأشعة قال‏:‏ وقال ابن إسرائيل‏:‏ الأمر أمران‏:‏ أمر بواسطة وأمر بغير واسطة فالأمر الذي بالوسائط قبله من شاء الله ورده من شاء الله تعالى والأمر بغير واسطة لا يمكن خلافه وهو قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ‏"‏ فقال له فقير‏:‏ إن الله تعالى قال لآدم بلا واسطة لا تقرب الشجرة فقرب وأكل فقال‏:‏ صدقت وذلك أن آدم إنسان كامل‏.‏

وكذلك قال شيخنا علي الحريري‏:‏ آدم صفي الله تعالى كان توحيده ظاهراً وباطناً فقال فكان قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ لا تأكل ‏"‏ ظاهراً وكان أمره ‏"‏ كل ‏"‏ باطناً فأكل فكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وإبليس كان توحيده ظاهراً فأمر بالسجود لآدم فرآه غيراً فلم يسجد فغير الله عليه وقال‏:‏ اخرج منها ‏"‏ الآية‏.‏

قال‏:‏ وقال شخص لسيدي حسن يا سيدي إذا كان الله يقول لنبيه‏:‏ ‏"‏ ليس لك من الأمر شيء ‏"‏ أيش نكون نحن فقال‏:‏ سيدي ليس الأمر كما تظن قوله‏:‏ ‏"‏ ليس لك من الأمر شيء ‏"‏ أيش غير الإثبات للنبي صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ‏"‏‏.‏

وفيه لأوحد الدين الكرماني‏:‏ ما غبت عن القلب ولا عن عيني ما بينكم وبيننا من بين غيره‏:‏ لا تحسب بالصلاة والصوم تنال قرباً ودنواً من جمال وجلال فارق ظلم الطبع تكن متحداً بالله وإلا كل دعواك محال إذا بلغ الصب الكمال من الهوى وغاب عن المذكور في سطوة الذكر يشاهد حقاً حين يشهده الهوى بأن صلاة العارفين من الكفر للشيخ نجم الدين بن إسرئيل‏:‏ الكون يناديك أما تسمعني من ألف أشتاتي ومن فرقني أنظر أتراني منظراً معتبراً ما فيّ سوى وجود من أوجدني وله‏:‏ ذرات وجود هي للحق شهود أن ليس لموجود سوى الخلق وجود والكون وإن تكثرت عدته منه إلى علاه يبده ويعود وله‏:‏ برئت إليك من قولي وفعلي ومن ذاتي براءة مستقيل وما أنا في طراز الكون شيء لأني مثل ظل مستحيل للعفيف التلمساني‏:‏ أحن إليه وهو قلبي وهل يرى سواي أخو وجد يحن لقلبه وفيه لا يعرف التوحيد إلا الواحد ولا تصح العبارة عن التوحيد وذلك أنه لا يعبر عنه إلا بغير ومن أثبت غيراً فلا توحيد له‏.‏

وفيه‏:‏ سمعت من الشيخ محمد بن بشر النواوي أنه ورد سيدنا الشيخ علي الحريري إلى جامع نوى قال الشيخ محمد‏:‏ فوجئت فقبلت الأرض بين يديه وجلست فقال‏:‏ يا بني وقفت مدة مع المحبة فوجدتها غير المقصود لأن المحبة لا تكون إلا من غير لغير وغير ما ثم ثم وقفت مدة مع التوحيد فوجدته كذلك لأن التوحيد لا يكون إلا من عبد لرب لو أنصف الناس ما رأوا عبداً ولا معبوداً‏.‏

وفيه‏:‏ سمعت من الشيخ نجم الدين بن إسرائيل مما أسر إلي أنه سمع من شيخنا الشيخ علي الحريري في العام الذي توفي فيه قال‏:‏ يا نجم رأيت لهاتي الفوقانية فوق السموات وحنكي تحت الأرض ونطق لساني بلفظة لو سمعت مني ما وصل إلى الأرض من دمي قطرة فلما كان بعد ذلك بمدة قال شخص في حضرة سيدي الشيخ حسن بن الحريري‏:‏ يا سيدي حسن‏!‏ ما خلق الله أقل عقلاً ممن ادعى أنه إله مثل فرعون ونمرود وأمثالهما فقلت أنا هذه المقالة ما يقولها إلا أجهل خلق الله أو أعرف خلق الله‏.‏

فقال‏:‏ صدقت‏.‏

وذلك أنه سمعت من جدك يقول رأيت كذا وكذا‏.‏

فذكر ما روى نجم الدين عن الشيخ‏.‏

والمطلوب من السادة العلماء‏:‏ أن يبينوا لنا هذه الأقوال وهل هي حق أو باطل وما يعرف به معناها وما يبين أنه حق أو باطل وهل الواجب إنكارها أو إقرارها أو التسليم لمن قالها وهل لها وجه سائغ وما حكم من اعتقد معناها‏.‏

إما مع المعرفة بحقيقتها وإما مع التأويل المجمل لمن قالها والمتكلمون أرادوا لها معنى صحيحاً يوافق العقل والنقل ويمكن تأويل ما يشكل منها وحملها على ذلك المعني وهل الواجب بيان معناها وكشف مغزاها إذا كان هناك ناس يؤمنون بها ولا يعرفون حقيقتها أم ينبغي السكوت عن ذلك وترك الناس يعظمونها ويؤمنون بها مع عدم العلم بمعناها‏.‏

فأجاب شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه‏:‏ الحمد لله رب العالمين هذه الأقوال المذكورة تشتمل على أصلين باطلين مخالفين لدين المسلمين واليهود والنصارى مخالفتهما للمعقول والمنقول‏:‏ أحدهما الحلول والاتحاد وما يقارب ذلك كالقول بوحدة الوجود كالذين يقولون إن الوجود واحد فالوجود الواجب للخالق هو الوجود الممكن للمخلوق كما يقول ذلك أهل الوحدة كابن عربي وصاحبه القونوي وابن سبعين وابن الفارض صاحب القصيدة التائية نظم السلوك وعامر البوصيري السيواسي الذي له قصيدة تناظر قصيدة ابن الفارض والتلمساني الذي شرح مواقف النغري وله شرح الأسماء الحسنى على طريقة هؤلاء وسعيد الفرغاني الذي شرح قصيدة ابن الفارض والششتري صاحب الأرحال الذي هو تلميذ ابن سبعين وعبد الله البلباني وابن أبي منصور المصري صاحب‏:‏ فك الأزرار عن أعناق الأسرار وأمثالهم ثم من هؤلاء من يفرق بين الوجود والثبوت كما يقوله ابن عربي ويزعم أن الأعيان ثابتة في العدم غنية عن الله في أنفسها ووجود الحق هو وجودها والخالق مفتقر إلى الأعيان في ظهور وجودها وهي مفتقرة إليه في حصول وجودها الذي هو نفس وجوده وقوله مركب من قول من قال‏:‏ المعدوم شيء وقول من يقول وجود المخلوق هو وجود الخالق ويقول فالوجود المخلوق هو الوجود الخالق والوجود الخالق هو الوجود المخلوق كما هو مبسوط في غير هذا الموضع‏.‏

وفيهم من يفرق بين الإطلاق والتعيين كما يقوله القونوي ونحوه فيقولون أن الواجب هو الموجود المطلق لا بشرط وهذا لا يوجد مطلقاً إلا في الأذهان فما هو كلي في الأذهان لا يكون في الأعيان إلا معيناً وإن قيل إن المطلق جزء من المعنى لزم أن يكون وجود الخالق جزءاً من وجود المخلوقات والجزء لا يبدع الجميع ويخلقه فلا يكون الخالق موجوداً‏.‏

ومن قال إن الباري هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق كما يقوله ابن سينا وأتباعه فقوله أشد فساداً فإن المطلق بشرط الإطلاق لا يكون إلا في الأذهان لا الأعيان فقول هؤلاء بموافقة من وآخرون يجعلون الوجود الواجب والوجود الممكن بمنزلة المادة والصورة يقولها المتفلسفة أو قريب من ذلك كما يقوله ابن سبعين وأمثاله وهؤلاء أقوالهم فيها تناقض وفساد ولا تخرج عن وحدة الوجود أو الحلول أو الاتحاد وهم يقولون بالحلول المطلق والوحدة المطلقة والاتحاد المطلق بخلاف من يقول بالمعنى كالنصارى والغالية من الشيعة الذين يقولون بالإلهية علي أو الحاكم أو الحلاج أو يونس القيني أو غير هؤلاء ممن ادعيت فيه الإلهية فإن هؤلاء قد يقولون بالحلول المقيد الخاص وأولئك يقولون بالإطلاق والتعميم ولهذا يقولون النصارى إنما كان خطأهم للتخصيص وكذلك يقولون عن المشركين عباد الأصنام إنما كان خطأهم لأنهم اقتصروا على عبادة بعض المظاهر دون بعض وهم يجوزون الشرك وعبادة الأصنام مطلقاً على وجه الإطلاق والعموم ولا ريب أن في قول هؤلاء من الكفر والضلال ما هو أعظم من اليهود والنصارى وهذا المذهب كثير في كثير من المتأخرين وكان طوائف من الجهمية يقولونه‏.‏

وكلام ابن عربي في فصوص الحكم وغيره وكلام ابن سبعين وصاحبه الششتري وقصيدة ابن الفارض نظم السلوك وقصيدة عامر البصري وكلام العفيف التلمساني وعبد الله البلبالي والصدر القونوي وكثير من شعر ابن إسرائيل وما ينقل عن شيخه الحريري وكذلك يوجد نحو منه في كلام كثير من الناس غير هؤلاء هو مبني على هذا المذهب مذهب الحلول والاتحاد ووحدة الوجود وكثير من أهل السلوك الذين لا يعتقدون هذا المذهب يسمعون شعر ابن الفارض وغيره فلا يعرفون أن مقصوده هذا المذهب فإن هذا الباب وقع فيه من الاشتباه والضلال ما حير كثيراً من الرجال‏.‏

وأصل ضلال هؤلاء أنهم لم يعرفوا مباينة الله سبحانه للمخلوقات وعلوه عليها وعلموا أنه موجود فظنوا أن وجوده لا يخرج عن وجودها بمنزلة من رأى شعاع الشمس فظن أنه الشمس نفسها ولما ظهرت الجهمية المنكرة لمباينة الله وعلوه على خلقه افترق الناس في هذا الباب على أربعة أقوال فالسلف والأئمة يقولون‏:‏ إن الله فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وكما علم العلو والمباينة بالمعقول الصريح الموافق للمنقول الصحيح وكما فطر الله على ذلك خلقه في إقرارهم به وقصدهم إياه سبحانه وتعالى‏.‏

والقول الثاني‏:‏ قول معطلة الجهمية ونفاتهم وهم الذين يقولون لا داخل العالم ولا خارجه ولا مباين له ولا محايث له فينفون الوصفين المتقابلين اللذين لا يخلو موجود عن أحدهما كما يقول ذلك أكثر المعتزلة ومن وافقهم من غيرهم‏.‏

والقول الثالث‏:‏ قول حلولية الجهمية الذين يقولون أنه بذاته في كل مكان كما تقول ذلك النجارية أتباع حسين النجار وغيرهم من الجهمية وهؤلاء القائلون بالحلول والاتحاد من جنس هؤلاء فإن الحلول أغلب على عباد الجهمية وصوفيتهم وعامتهم والنفي والتعطيل أغلب على نظارهم ومتكلميهم كما قيل‏:‏ متكلمة الجهمية لا يعبدون شيئاً ومتصوفة الجهمية يعبدون كل شيء وذلك لأن العبادة تتضمن القصد والطلب والإرادة والمحبة وهذا لا يتعلق بمعدوم فإن القلب يتطلب موجوداً فإذا لم يطلب ما فوق العالم طلب ما هو فيه‏.‏

وأما الكلام والعلم والنظر فيتعلق بموجود ومعدوم فإذا كان أهل الكلام والنظر يصفون الرب بصفات السلب والنفي التي لا يوصف بها إلا المعدوم لم يكن مجرد العلم والكلام ينافي عدم المعلوم المذكور بخلاف القصد والإرادة والعبادة فإنه ينافي عدم المعبود ولهذا تجد الواحد من هؤلاء عند نظره وبحثه يميل إلى النفي وعند عبادته وتصوفه يميل إلى الحلول وإذا قيل هذا ينافي ذلك قال ذاك مقتضى عقلي ونظري وهذا مقتضى ذوقي ومعرفتي ومعلوم أن الذوق والوجدان لم يكن موافقاً للعقل والنظر وإلا لزم فسادهما أو فساد أحدهما‏.‏

والقول الرابع‏:‏ قول من يقول إن الله بذاته فوق العالم وهو بذاته في كل مكان وهذا قول طوائف من أهل الكلام والتصوف كأبي معاذ وأمثاله وقد ذكر الأشعري في المقالات هذا عن طوائف ويوجد في كلام السالمية كأبي طالب المكي وأتباعه مثل أبي الحكم بن برجان وأمثاله ما يشير إلى نحو من هذا كما يوجد في كلامهم ما يناقض هذا‏.‏

وفي الجملة فالقول بالحلول أو ما يناسبه وقع فيه كثير من مستأخري الصوفية‏.‏

ولهذا كان أئمة القوم يحذرون منه كما في قول الجنيد لما سئل عن التوحيد فقال‏:‏ التوحيد إفراد المحدث عن القدم فبين أن التوحيد أن تميز بين القديم والمحدث وقد أنكر ذلك ابن عربي صاحب الفصوص وادعى أن الجنيد وأمثاله ماتوا وما عرفوا التوحيد لما أثبتوا الفرق بين العبد والرب بناء على دعواه أن التوحيد ليس فيه فرق بين الرب والعبد وزعم أنه لا يميز بين القديم والمحدث إلا من يكون ليس بقديم ولا محدث وهذا جهل فإن المعرفة بأن هذا ليس ذاك والتمييز بين هذا وذاك لا يقتضي أن يكون العارف المميز بين الشيئين ليس هو أحد الشيئين بل الإنسان يعلم أنه ليس هو ذاك الإنسان الآخر مع أنه أحدهما فكيف لا يعلم أنه غير ربه وإن كان هو أحدهما‏.‏